التعلّم الآلي:  ما بين الخيال العلمي والحقيقة

التعلّم الآلي: ما بين الخيال العلمي والحقيقة

من اللّمحة الأولى، قد تبدو لك هذه المقالة كمقدمة لفيلم سينمائي أو صفحة من صفحات إحدى روايات الخيال العلمي! ولكنّ أود أن أؤكد لك أنها مقالة تعليمية وليست من نسج الخيال.

مصطلح التعلّم الإلكتروني أو Machine Learning؛ هو مصطلح يشير إلى فرع من فروع علم الذكاء الاصطناعي وعلم تحليل البيانات، حيث يعتمد على فكرة أن الأنظمة يمكنها التعلّم من البيانات وتحديد الأنماط واتخاذ القرارات بأقل تدخل بشري.

بالإضافة إلى أنه علم يستخدم تحليل البيانات من خلال أتمتة عملية بناء النموذج التحليلي لها.

بعيداً عن تجسيد هوليوود لعلم التعلّم الآلي، وما ينطوي عليه من شخصيات روبوتات شريرة، وصلت لمراحل نضج وذكاء وتطور جعلتهم يتمردون على البشر ويسيطرون عليهم من أجل حكم العالم؛ نستطيع القول أن علم التعلّم الآلي هو علم مفيد جداً للبشرية، بالإضافة إلى حقيقة أنه اكتشف منذ زمن بعيد ولكن بسبب تقنيات الحوسبة الجديدة، فإن التعلم الآلي اليوم لا يشبه التعلم الآلي في الماضي.

 

إذا نظرنا إلى جوهر علم التعلّم الآلي - سواءً في الماضي أو في الحاضر- فسنجد أنه علم يقوم على التّعرف على الأنماط والنظريات التي تفترض أن أجهزة الحاسوب يمكنها أن تتعلم دون أن تكون مبرمجة لأداء مهام محددة. حيث أراد الباحثون المهتمون بالذكاء الاصطناعي معرفة ما إذا كان يمكن لأجهزة الحاسوب التعلم من البيانات. ومن الجدير بالذكر، أنه ولضمان نجاح عملية التعلّم؛ تحتاج العملية إلى الجانب التكراري، مما يجعلها قادرة على التكيف بشكل مستقل، والتعلّم من البيانات والتجارب السابقة لإنتاج قرارات ونتائج موثوقة.

 

أهمية التعلّم الآلي:
الحاجة أم الإختراع! من هنا تنطلق أهمية التعلّم الآلي. حيث يعود الاهتمام المتزايد بالتعلم الآلي إلى نفس العوامل التي جعلت علم البيانات وعلم الذكاء الإصطناعي وعلم تكنولوجيا المعلومات -على سبيل المثال - مهمين جداً وفي كافة المجالات؛ ألا وهي تزايد كميات وأصناف وأنواع البيانات المتاحة، وحقيقة أن المعالجة الحاسوبية أقل تكلفة، وأكثر قوة.

 

كل ما تمّ ذكره أعلاه يعني أنه من الممكن إنتاج نماذج سريعة وبصورة تلقائية يمكنها تحليل البيانات الأكبر والأكثر تعقيداً وتقديم نتائج أسرع وأكثر دقة - حتى على نطاق واسع جداً. ومن خلال بناء نماذج دقيقة، ستتمتّع المؤسسات التي توظّف تلك العلوم بفرصة أفضل لتحديد الفرص المربحة - أو على الأقل - تجنّب المخاطر التي لا يمكن العودة منها.

تطبيقات حيّة للتعلّم الآلي:
1- في الخدمات المصرفية وإدارة المخاطر: تستخدم البنوك والشركات المالية التعلّم الآلي للعثور وتحديد المعلومات المهمة المختبئة في البيانات، من خلال العثور على فرص استثمارية ومساعدة المستثمرين - على سبيل المثال - في معرفة مواعيد التداول. ومن جهة أخرى، تستخدم المؤسسات المالية والمصرفية التعلّم الآلي في ابتكار طرق ذكية للحد من المخاطر العالية والحد من عمليات الاحتيال المحتملة، أو من خلال استخدام المراقبة الإلكترونية لتحديد مؤشرات المخاطرة المتعلقة بالعملاء وعمليات الاحتيال.

2- في المؤسسات الحكومية: تتمتّع الحكومة بثقة عالية وسلطة واسعة  تجعلها من أكثر الجهات التي يمكنها توظيف هذا العلم في خدمة المجتمع. حيث تقوم بعض الحكومات باستخدام التعلّم الآلي في تطوير قطاع السلامة والمنافع العامة، والعثور على حلول تقليل التكاليف في ميزانية الدولة، وضبط عمليات الاحتيال وأخيراً الحد من عمليات سرقة الهوية.

3- في قطاع الرعاية الصحية: من أكثر تطبيقات التعلّم الآلي إثارة في قطاع الرعاية الصحية؛ هو إدخاله في صناعة الأجهزة الطبية التي يمكن ارتداؤها كالملابس والإكسسوارات، مثل الساعات الذكية وسوار اللياقة البدنية Fitbit وغيرها، والتي تحتوي على أجهزة استشعار بإمكانها أن تستخدم البيانات لتقييم صحة المريض الذي يرتديها  مباشرة وفي نفس الوقت. ويستخدم الخبراء الطبيون التعلّم الآلي أيضاً في تحليل البيانات لتحديد الاتجاهات والعلامات التي قد تؤدي إلى تحسين مراحل التشخيص والعلاج.

4- في قطاع النفط والنقل: يمكن تلخيص هذا القسم من المقالة بأربع كلمات وهي؛ إيجاد مصادر جديدة للطاقة. أما التطبيقات الفرعية الأخرى فتكمن في تحليل المعادن الموجودة في باطن الأرض، والحد من أعطال مستشعر مصفاة النفط، وتبسيط عملية توزيع النفط لجعله أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة. ومن جهة أخرى، يُستخدم التعلّم الآلي في تحليل بيانات وأنماط واتجاهات صناعة النقل، من خلال تحسين البنية التحتية للشوارع والطرقات، والتنبؤ بالمشاكل المحتملة لغايات زيادة الربح. وتعّد جوانب تحليل البيانات ونمذجة التعلّم الآلي من الأدوات المهمة التي تستخدمها شركات التوصيل والنقل، ووسائل النقل العامة.

 

كحال أي تقنية أو أداة، لها إيجابيات ولها سلبيات، والتعلّم الآلي يخضع لهذه القاعدة بدون شك. لذا على المؤسسات والقطاعات والخبراء المختصين بتطوير هذه التقنية، أن يبقوا على أهبة الإستعداد لمواجهة أي تحديات مستقبلية قد تجعل التعلّم الآلي خارج عن السيطرة!