بين حاضر ومستقبل العمل عن بعد في زمن فيروس كورونا (Covid-19)!

بين حاضر ومستقبل العمل عن بعد في زمن فيروس كورونا (Covid-19)!

نعيش حالياً في عالم لا يمكن توقعه! من مدارس وجامعات تم إغلاقها، لشركات في القطاع الخاص والعام لا تستطيع أن تمارس عملها بشكل طبيعي بسبب فيروس كورونا (Covid-19) وتعليمات الوقاية التي تنصح بالتباعد الاجتماعي والابتعاد عن التخالط والتجمعات، مما يضع الشركات في موقف محرج ودقيق ويجعلها على مفترق طرق؛ إما الإستمرار في العمل عن طريق منظومة من آليات العمل عن بعد، أو الاختفاء وانتظار المصير المحتوم!

 

في بداية شهر آذار، صنّفت منظمة الصحة العالمية (WHO) فيروس كورونا (COVID-19) رسميًا على أنه وباء عالمي أو Pandemic، مما يعني أن العدوى تتسارع في العديد من البلدان في وقت واحد. وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية حظر السفر في 28 دولة أوروبية(في وقت كتابة هذه المقالة) ، وأغلقت العديد من الدول المدارس والجامعات، ومنعت تجمعات كبيرة من الناس.

محلياً، كانت الأردن وما زالت من أوائل الدول التي تعاملت بحرفية وسرعة مع وباء فيروس كورونا من خلال مراحل عديدة؛ أولها الحثّ ونشر الوعي حول التباعد الاجتماعي، وغسل اليدين وارتداء الكمامة، ومن ثم إغلاق المولات والمراكز التجارية الضخمة ومن ثم إيقاف الرحلات الجوية من والى البلدان الموبوءة، وصولاَ الى إغلاق المطارات بشكل كامل عن جميع الدول وإغلاق المدارس والجامعات والشركات الخاصة والعامة وفرض حظر التجول الكامل والجزئي، واللجوء إلى التعلّم عن بعد والعمل عن بعد، بالإضافة الى التعاون مع بعض الشركات لبناء منصات للتمكن من التعلم عن بعد والعمل عن بعد . ومثال على ذلك هو منصة Darsak  للتعليم عن بعد، التي أطلقتها الحكومة الأردنية بالتعاون مع شركة موضوع. 

 

من جهة أخرى، تشجع الشركات رفيعة المستوى مثل Google و Microsoft أو تفرض على الموظفين اعتماد سياسة العمل من المنزل. أما بالنسبة لشركات التكنولوجيا الحديثة ، فإن البنية التحتية والسياسة اللازمة للعمل عن بعد موجودة بالفعل ، والغالبية العظمى من الموظفين هم بالفعل مستخدمي الكمبيوتر المحمول.

 

لكن بالنسبة للعديد من الشركات والمؤسسات الصغيرة ، من المرجح أن يكون الوضع مختلفًا تمامًا. ربما يقتصر العمل عن بعد على عدد قليل وشركات قليلة لا تحتاج الى التواجد المادي والبشري لتتم اعمالها، بالاضافة الى امكانيات هذه الشركات لتوفير أجهزة الحاسوب المحمول وأنظمة العمل ليستطيع الموظفون العمل عن بعد. ويعتبر قطاع التعليم كما ذكرنا سابقاً، مثالاً جيداً في هذا الصدد، حيث تقدم الجامعات التعلم عن بعد كصفة تميزها عن منافسيها ، بينما تعتمد المدارس الثانوية وغيرها بشكل أساسي على وجود الموظفين والتلاميذ في الموقع للتعلم. وعلى الرغم من تمكن الحكومة الاردنية - على سبيل المثال - من الاستفادة من المحطات التلفزيونية المحلية لبث الحصص الدراسية للصفوف الإبتدائية والإعدادية والثانوية، وذلك لإمكانية وصولها لجميع فئات المجتمع دون الحاجة للإتصال بشبكات الإنترنت، إلا أنه يجب النظر أيضاَ في عمليات المدرسة الإدارية والفرق الإدارية وليس فقط المعلمين والطلاب! 

 

وإن أردنا أن نصنع قائمة بالأشياء التي تحتاجها الشركات بمختلف تخصصاتها وأحجامها لتعمل بشكل شبه طبيعي في عالم يطبق عليه تعليمات استثنائية كعالمنا الحالي في زمن فيروس كورونا؛  فهناك متطلبات مشتركة يحتاجها جميع الموظفين عن بعد. ومنها: جهاز حاسوب، واتصال إنترنت جيد، وتطبيقات الدردشة والمؤتمرات للتفاعل بين الشركات والموظفين وبين الموظفين أنفسهم، ومساحة عمل مخصصة، وهاتف(اختياري)، والدافع الذاتي والانضباط، وروتين صارم.
 

لماذا الهاتف اختياري؟ لأنه في بيئة اليوم ، قد لا يكون ذلك ضروريًا ، خاصة وأن معظم تطبيقات الدردشة تسمح بالاتصال المباشر.  والأهم من ذلك ، تحتاج الشركات والمؤسسات أيضًا إلى إعداد نفسها وموظفيها لمخاطر الأمن الإلكتروني المتزايدة المرتبطة بالعمل عن بُعد، ويعتمد ذلك على قيمة البيانات لدى الشركة ودرجة الأمن التي تفرضها الشركات على العملاء والموظفين وحجم الشركة وأولوياتها وغيره.
 

ما هي بعض التحديات التي قد تحتاج إلى معالجة؟

الأمن المادي لأجهزة الشركة: سيعرض الموظفون أجهزة الشركة لمخاطر أكبر لأنهم يتركون سلامة وأمن مكان العمل الذي بني لأهداف عملية وليست شخصية. ويجب حماية الأجهزة من الضياع والسرقة بطرق وخيارات عديدة ومنها:

 

1-يضمن التشفير الكامل للقرص أنه حتى لو وقع الجهاز في أيد خاطئة، فلا يمكن الوصول إلى بيانات الشركة.


2- على الموظف أن يقوم بتسجيل خروجه عندما لا يكون الحاسوب قيد الاستخدام. وهذا يعني عندما تترك جهازك لتصنع كوب من القهوة مثلاً، لن يتمكن أي فرد من أفراد أسرتك الفضوليين أن  يرسل عن طريق الخطأ بريدًا إلكترونيًا إلى الرئيس أو العميل أو أن يطلع على معلومات الشركة. 

 

3- سياسة كلمة مرور قوية -وأن لا يتم كتابة كلمات السر الخاصة بالبريد الإلكتروني أو للجهاز نفسه أو لأي نظام من أنظمة الشركة على ورقة ملصقة سواءً ورقة حقيقية على مكتبك في البيت  أو الـ Sticky notes الموجودة كتطبيقات على أجهزة الحاسوب.

 

ماذا يوجد في بيئة التكنولوجيا المنزلية؟

على الشركات أن تطلب من الموظفين تدقيق البيئة المنزلية الخاصة بهم للكشف عن نقاط الضعف ، قبل توصيل أجهزة العمل. هناك إفصاحات مستمرة بشأن أجهزة إنترنت الأشياء الضعيفة (IoT) ، وهذا وقت ممتاز للموظفين لاتخاذ إجراءات بشأن تأمينهم بكلمات مرور قوية وتحديث البرامج الثابتة / البرامج الخاصة بهم إلى أحدث الإصدارات.

 

وعلى الشركات أيضاً أن تضع بعين الاعتبار بل وتقوم بترويج، أو حتى الإلزام ، باستخدام تطبيق مراقبة المنزل المتصل قبل السماح بتوصيل أجهزة العمل بالشبكات المنزلية. وسوف يبرز المسح أو المراقبة الأجهزة ذات الثغرات المعروفة أو البرامج القديمة أو البرامج الثابتة أو كلمات المرور الافتراضية التي تحتاج إلى تغيير.

 

الوصول إلى شبكة وأنظمة الشركة

على الشركة أن تحدد ما إذا كان الموظف يحتاج إلى الوصول إلى الشبكة الداخلية للمؤسسة أو مجرد الوصول إلى الخدمات المستندة إلى السحابة والبريد الإلكتروني. ويجب أن تأخذ بعين  الاعتبار ما إذا كان ينبغي منح نفس المستوى من الوصول إلى البيانات الحساسة التي تتمتع بها الشركة وأصحابها في الموقع عندما يكون الموظف خارج الموقع.

 

إذا كانت هناك حاجة إلى الوصول إلى الشبكة الداخلية للمؤسسة: يوصى بتحقيق ذلك فقط من جهاز مملوك للمؤسسة بحيث يكون التحكم الكامل في جهاز الاتصال تحت إدارة أمن التكنولوجيا وفريق تكنولوجيا المعلومات. وينصح أيضاُ  أن تستخدم الشركات VPN لتوصيل العاملين عن بُعد بالشبكة الداخلية للمؤسسة. مما يمنع هجمات الجهات الوسيطة من المواقع البعيدة. وعلى الشركات والعاملين أن يتذكروا أنه نظرًا لأن الموظف يعمل الآن من المنزل ، فإن حركة المرور تتدفق الآن عبر الشبكات العامة. بالإضافة للتحكم في استخدام الأجهزة الخارجية مثل تخزين USB والأجهزة الطرفية. 

 

الوصول إلى البريد الإلكتروني والخدمات السحابية من جهاز الموظف الخاص: ويكمن ذلك من خلال فرض سياسة أمان نقطة النهاية نفسها للبرامج المضادة للملفات، و الجدران النارية Firewalls ، وما إلى ذلك كما هو الحال مع الأجهزة التي تديرها المؤسسة. إذا لزم الأمر ، على الشركات أن تزود الموظف بترخيص لنفس الحلول المستخدمة على الأجهزة المملوكة للمؤسسة.  وعلى الشركات أيضاً تقييد القدرة على تخزين البيانات أو تنزيلها أو نسخها. حيث من الممكن أن يحدث خرق للبيانات من أي جهاز يحتوي على بيانات الشركة الحساسة.

 

الدعم وإدارة الأزمات من خلال التدريب

منذ بداية تفشي هذا الفيروس، سعت الكثير من الجهات والأفراد والشركات المحتالة على أن تصنع الربح من خلال الأشخاص محدودي الفكر وضعيفي الإرادة! حيث هناك العديد من عمليات الاحتيال المتعلقة بـ COVID-19 المتداولة ، من أقنعة الوجه إلى اللقاحات والعلاجات الزائفة. لذا، على الشركات أن لا تنسى أنه عندما يُنقل الموظفون خارج مكان العمل ويوضعون في جو غير رسمي للعمل من المنزل ، قد يفكرون في النقر على هذه الروابط المضللة.

 

وهنا يأتي دور التدريب، عن طريق التوعية بالأمن الإلكتروني . بالإضافة إلى تطوير دورات تدريبية تدعم العمل أو تحسّن مهارات الموظفين في مجال عمل الشركة أو في مجالات أخرى لها علاقة بتطوير الموظف كشخص وشريك في بيئة العمل سواءً كانت في بيئة العمل أو بيئة المنزل.

أما فيما يتعلق في الشركات المتخصصة في مجال التدريب الإلكتروني أو الـ Online training مثل منصة Peak؛  فمن خلال هذه المقالة، ودورات قادمة ومحتوى نعمل على إنشائه؛ فعلينا أن نستغل هذه الفترة الاستثنائية التي تمنح فئة كبيرة من الناس وقت لم يكونوا يمتلكوه قبل فيروس كورونا، مما يجعلنا نفكر في حلول تجمع ما بين تطوير وتدريب الأفراد في مجالات تخصصهم وعملهم واهتماماتهم وبين نشر التوعية والحلول والاقتراحات التي تساهم في الاستفادة من هذا الوقت ومن هذه الفترة على الوجه الصحيح وأن لا نجعلها مرحلة تعطيل إنما فترة للتطوير والبناء.
 

من الناحية الفلسفية ، قد يكون العالم الذي نعرفه وتعودنا عليه قد انتهى! ولكن وبنفس الوقت، يمكن ومع مرور الوقت ورؤيتنا لما سيصبح عليه العالم خلال هذه الأزمة وما إذا كان سيتكيف مع هذه الأزمة أم سيبقى ينتظر نهايتها ، فقد ننظر إلى تفويض العمل عن بعد على أنه تجربة اجتماعية  نجحت في وقت الأزمة (إذا تم تطبيقها ضمن معايير وأساليب مدروسة) ولم يعد لها أي معنى بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا وقد تصبح النظام العادي الجديد. لننتظر ونرى!