التسويق الرقمي: سلاح ذو حدين!

التسويق الرقمي: سلاح ذو حدين!

يُعتبر التسويق الرقمي من أهم المجالات وخصوصاً في السنوات القليلة الماضية. وإذا أردنا أن نعرّف هذا العلم المذهل، فيمكننا القول أنه العلم الذي يركز على نشر ودعم محتوى أو منتج أو فكرة معينة عن طريق الإعلانات و التجارة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت. فبدون التسويق ، لا يمكن لما يقدمه البائع أو المُنشئ أن يصل إلى السوق المطلوبة والجمهور المستهدف لتحقيق المبيعات أو الربح أو الهدف المرجو من هذا المنتج او المحتوى. ومن الجدير بالذكر أن التسويق الناجح، هو المفتاح الأساسي لفتح الباب لمجموعة من العملاء السعداء ، الذين يعودون ويجلبون غيرهم من العملاء المحتملين.

 

من الطبيعي أن تظهر مخاوف ومخاطر من أي علم جديد نسيبياً وخصوصاً علم كالتسويق الرقمي وأهميته التي زادت مع غزو وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت لحياتنا اليومية وحياتنا العملية .المخاوف الأمنية لدى المسوقين الرقميين من جهة و لدى العملاء من جهة أخرى، هي نفسها لأي شخص تمر معلوماته الشخصية عبر مسارات الإنترنت ومنصات الأعمال الرقمية. ومن ناحية أخرى ، تميل تهديدات الأمن الإلكتروني إلى التركيز على الأهداف الأكثر ربحاً والأغنى من حيث كمية البيانات التي يمكن اكتسابها والتي يتم تحصيلها من العملاء.

 

كيف يمكن تحقيق توازن بين جودة التسويق الرقمي وبين الخصوصية؟

 

الغاية لا تبرر الوسيلة! فهدف المشارك بسباق السيارات مثلاً أن يصل أولاً لخط النهاية ولكنه يلتزم باجراءات السلامة العامة ويرتدي الزي المناسب لأن السلامة تأتي أولاً. وبالمثل ، ينبغي أن يركز المسوقون الرقميون أولاً على أمن وخصوصية معلومات وبيانات العملاء قبل تحقيق أهدافهم الربحية. حيث ستكون عواقب انتشار البرامج الضارة ووصول معلومات العملاء للأيدي الخطأ كارثية. لذا، يتطلب من المسوقين الرقميين أن يتحلوا بالوعي الأمني ​​لمعرفة التهديدات والاعتراف بها. ومن بعض هذه التهديدات:

 

1- تهديدات التسويق عبر البريد الإلكتروني

التسويق الرقمي عبر البريد الإلكتروني هو أداة تقليدية وقوية نوعاً ما وتستخدم من قبل شركات كثيرة منتشرة في مجالات وقطاعات مختلفة. من بعض هذه التهديدات؛ سرقة حسابات البريد الإلكتروني والخداع والاحتيال  والرسائل غير المرغوب فيها (Spam). بالإضافة لإمكانية المتسللين إرسال روابط إلى مواقع الويب الضارة التي تقوم بتنزيل برامج معينة لتشفير ملفات بيانات العملاء المستهدفين بشكل كامل. لذا، كعميل وكمسوق رقمي، يجب الاحتراس من تهديدات رسائل البريد الإلكتروني  من خلال الالتزام بقوانين الأمن الإلكتروني الموجودة بكل مواقع البريد الالكتروني وتثبيت برامج أمان البريد الإلكتروني للبقاء في الصدارة ضد تهديدات الأمن الإلكتروني .

 

2-تهديدات خصوصية بيانات العملاء

بيانات العميل هي الكنز الذي يسعى إليه المسوقون الرقميون. هذه البيانات هي مثل كنز من الذهب يسعى إليه قراصنة الإنترنت الذين يسرقون ويبيعون ويخترقون كلمات مرور العملاء، ومعلومات بطاقة الائتمان والبيانات الشخصية وغيره،  وغالياً لأسباب وأهداف سيئة جداً، قد تضر العميل نفسه أو المجتمع، بالإضافة لعواقب وخيمة أخرى مثل؛ الدعاية السيئة للشركات المستهدفة ، والغرامات والعقوبات القانونية.
 

3-ثغرات  وسائل التواصل الاجتماعي

تعد وسائل التواصل الاجتماعي أداة مراقبة مفيدة وفعّالة لتتبع توجهات وأداء  أي علامة تجارية أو شركة. حيث توفر هذه التوجهات والإشارات مصدراً لاستغلال جهود التسويق الرقمي. أما الجانب المظلم منها، فيأتي من المتسللين الذين بامكانهم اختراق حسابات وسائل التواصل الاجتماعي وخلق المشاكل وانتهاك الخصوصية. ويمكن للقراصنة والمتسللين -على سبيل المثال - أن يقوموا بتعديل وتزييف ملف تعريف الشركة على موقعها الالكتروني الرسمي وإضافة بيانات كاذبة ومسيئة وإرسال رسائل بريد إلكتروني غير مرغوب فيها من حساب الشركة إلى عملائها مما يؤدي إلى عواقب قد تكون كارثية! ومن الجدير بالذكر، أن أفضل سلاح ضد محاولات اختراق شبكات التواصل الاجتماعي هي كلمات المرور القوية وأدوات مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي.


 

ما الفرق بين خصوصية البيانات وأمان البيانات؟

 

ترتبط خصوصية البيانات وأمن البيانات ارتباطاً قوياً وقد يكون مربكاً لحد ما، ولكن توجد اختلافات مهمة. حيث تركز الخصوصية حول التحكم في نشر وتدفق المعلومات الشخصية، وإعطاء الحق في في التحكم في كيفية مشاركة هذه المعلومات مع الآخرين عبر القنوات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي.

 

أما بالنسبة لأمن البيانات؛ فهو يأخذ مفهوم الخصوصية خطوة إلى الأمام من خلال التركيز على سلامة هذه المعلومات وليس فقط التحكم بتدفقها. حيث يجب الحفاظ على المعلومات آمنة كوسيلة للتحكم فيها. ويمكن النظر لأمان البيناتا على أنه المظلة التي تأتي تحتها الخصوصية كجزء لا يتجزأ. 

 

لا يتعلق أمان البيانات بالحفاظ على بيانات العميل آمنة فحسب ، ولكنه يتعلق أيضاّ بالحفاظ على الملكية الفكرية للشركة ومعلومات الموظفين والعديد من المعلومات الحساسة الأخرى التي يمكن من شأنها ان تغير مسار الأعمال بشكل كامل إذا لم تتم حمايتها بالشكل المطلوب!

 

وهنا يأتي السؤال؛ كيف ترتبط الخصوصية والأمان بالتسويق الرقمي؟ قد يظن العملاء أن أمان بياناتهم وخصوصياتها  آخر ما يهم الشركات، إلا أن التعامل مع خصوصية البيانات وأمانها مهمتان متميزتان للشركات ويأخذونها بجدية كبيرة. حيث من المستحيل على الشركات استخدام بيانات أي عميل إلا بعد موافقته ورضاه، وعادة تكون علي هيئة وثيقة إلكترونية يجب أن يقرأها العميل قبل أن يعطي أي معلومة عن نفسه ولا تتم المتابعة إلا بموافقة العميل. ولا شك أننا جميعنا دون استثناء مررنا بتلك الوثيقة،  و ضغطنا على زر "موافق" دون ان نقرأ المعلومات المكتوبة عن خصوصية وأمان المعلومات التي نحن على وشك أن نعطيها! لذا، تقع مسؤولية علينا نحن كعملاء عندما لا نأخذ خصوصية بياناتنا ومعلوماتنا بالجدية المطلوبة ولا نكلف أنفسنا بقراءة الوثيقة لتوفير دقائق قليلة قد تكون هي مفتاح تفادي المخاطر والتهديدات ضد أمان وخصوصية المعلومات.
 

هل هواتفنا المحمولة تتجسس علينا فعلاً؟

 

ظهرت نظريات مؤامرة مثيرة للإهتمام  في الفترة الماضية، تفترض أن شركات الهواتف الذكية تقوم بتشغيل الميكروفون (دون موافقة العميل)، ومن ثم تقوم الشركات المصنعة لتلك الهواتف  بالتنصت على محادثات مالكي تلك الهواتف بهدف معرفة صفات شخصية معينة أو سلوك استهلاكي معين، لتقوم ببيع تلك البيانات والمعلومات لشركات في مجالات وقطاعات عديدة،  للاستفادة من هذه المعلومات في تحديد نوعية الاعلانات والتسويق الرقمي لمنتجات تلك الشركات لجعل عملية اختيار وإظهار إعلانات رقمية (عن طريق منصات التواصل الاجتماعي والبريد الاكتروني) أكثر فعالية.

 

ونلاحظ هنا أن هذه النظرية تفترض التهديد  ضد خصوصية بيانات العميل، بما أنها تفترض أن العميل لم يوافق على استخدام بيناته على هذا النحو، وأن العملية تمت بدون علمه ولا رضاه. تمّ إثبات أن هذه النظرية خاطئة؛ حيث تستخدم منصات التواصل الاجتماعي ويوتيوب - على سبيل المثال -  الخوارزميات والكلمات الأكثر بحثاّ من قبل العميل لتحديد المنتجات والخدمات التي قد يكون مهتم بها ومن ثم تحديد الإعلانات المناسبة له وليس عن طريق التجسس على العميل كما تم الافتراض من قبل تلك النظرية.


وفي نهاية، وعلى الرغم من أهمية التسويق الرقمي ودوره الكبير في ازدهار التجارة الالكترونية في كافة المجالات؛ إلا أنه من الضروري أن يتم التركيز على جميع الجوانب المتعلقة بسلامة و أمن وخصوصية البيانات وإيجاد توازن صحي لرفع جودة الخدمات التسويقية من جهة، والحفاظ على ثقة العملاء من جهة أخرى.